الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نادمة على الغيبة والسخرية من الآخرين، فكيف أتوب من ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة، عمري 15 سنةً، أدرس في المرحلة الثانوية، ملتزمة بالصلاة، وأذكار الصباح والمساء، وصلاة الضحى، وأدرس في مدرسة تحفيظ القرآن، ومستواي الدراسي مرتفع، وأتمنى أن أكون طبيبةً ابتغاء مرضاة الله؛ ولأني أحب هذا التخصص لا لمالٍ، ولا لشيءٍ، لكنني أعاني من شيء واحد من فترة لأخرى؛ فأنا أقوم بالعادة السرية مرةً في الشهرين أو في الثلاثة أشهر، أنا أكتب لكم وأشعر بالخجل؛ لأني من قبل كنت مدمنةً عليها، ولكن -بفضل الله- قللتها كثيرًا؛ لأني عرفت أنها سبب عدم خشوعي في الصلاة.

كما أنه في نهاية الشهرين يصبح أي شيء يؤثر بي، سواءً كان إعلانًا، أو أي شيء، فأعرف أني قريبة جدًا من هذه العادة السيئة، وعندما ركزت جيدًا؛ وجدت أنني في تلك الفترة لو كنت أفزع للصلاة عند سماع الأذان؛ لما قمت بهذا الفعل السيئ، لكنني أحرص دائمًا على التوبة، فأصلي ركعتي توبة، وأكمل فعل العبادات.

لكن المشكلة هي أنني أشعر بالكره تجاه نفسي عندما أقوم بهذا الفعل السيئ، وأشعر أنني أرائي؛ لأن الناس يرون مني التدين والالتزام، والنصح لبعض البنات، كما أنني أحفظ القرآن، ومجتهدة دراسيًا، ولكني بعيدًا عنهم أقوم بهذا الفعل السيئ، وأقول في نفسي: أنت تتوبين فقط حتى لا يحرمك الله من دراسة الطب، وأنك لست أهلاً لهذه المهنة، وخائفة من أنني لن أستطيع دخول الطب، ومساعدة الناس، أو أنني لست مؤهلةً لمهنة كهذه.

أيضًا بجانب هذه العادة المشينة كنت أغتاب، لكنني تبت، وأصبحت حريصةً على ألّا أذكر الناس بأي كلام قد لا يرضيهم، فهل سيغفر الله لي؟

لقد طلبت السماح من الذين أقدر على فعل ذلك معهم، لكن لا يمكنني طلب المسامحة من الجميع؛ فأحيانًا قد أنسى، لكنني أندم؛ لأن عبادتي ستكون لهم، وسيئاتهم ستكون لي، فمثلاً أرى أستاذةً في المدرسة تضع مكياجًا لا يعجبني، أو يكون غير جميل، وعندما أعود للمنزل أضحك على مكياجها، أو أضحك في المدرسة.

أنا وصديقتي قررنا مساعدة بعضنا على ترك الغيبة، وأصبحنا إن رأينا شيئًا نبتسم، أو نضحك بدون أن نتكلم، أو أنني أروي لها ما رأيت دون الإشارة للشخص، فهل هذا حرام؟

أنا أشعر بالذنب؛ لأنني مرةً رأيت شيئًا في فتاةً، فذكرتها بطريقة المزاح، مع بعض المعايرة والتشبيه المضحك لها، لكنها رأت، وعرفت من أقصد، وضحكت، أنا لا أضحك على الأشخاص أنفسهم، بل على بعض الأفعال التي تصدر عنهم؛ كالّتي تضع مكياجًا، أو تتكلم بغنج.

أرجو الرد من فضيلتكم، فأنا محتارة، وأرجو منكم الدعاء بأن يغفر الله لي ويهديني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولاً: أهنئك بما أنعم الله عليك من الالتزام بالصلاة، والأذكار، ودراسة القرآن في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم، والتميز في الدراسة، والهمة العالية من أجل تعلم الطب، وأسأل الله لك الثبات والزيادة والريادة.

‏ثانيًا: بالنسبة للعادة السرية: هي لا شك ولا ريب أنها عادة سيئة، والعلماء يقولون بتحريمها، وهذا مذهب جمهور العلماء، لقول الله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) المعارج:31.

والعادة السرية لها أضرار صحية على الإنسان، ذكرها المختصون، منها: الضعف الجنسي، وسرعة الإنزال، وعدم الاستمتاع الطبيعي بالزواج؛ لأن العقل يتعود عليها كوسيلة إشباع، إضافة إلى أن العادة السرية قد تسبب قد الاكتئاب، وعدم التركيز في القراءة، وغير ذلك من الأضرار البدنية والنفسية. ومع ذلك فقد أحسنت في مجاهدة النفس في الابتعاد عن هذه العادة؛ فبعد الإدمان الذي ذكرته في الرسالة انتقلت إلى التقليل منها، فأصبحت تمارسينها في الشهر مرتين أو ثلاثًا، وهذا شيء جيد، وهذا التدرج يعتبر إنجازًا في الامتناع ولو بالتدرج، حتى يتم الإقلاع والبعد عنها.

وهناك بعض الحلول للتخلص من الوقوع في العادة السرية، منها:
‏1- المبادرة بالزواج عند الإمكان.
‏2- الاعتدال في الأكل والشرب؛ حتى لا تثور الشهوة.
‏3- الصيام، لحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق عليه، أي وقاية.
‏4- البعد عن كل ما يهيج الشهوة من الاستماع إلى الأغاني، والنظر إلى الصور الفاتنة، وكل ما يثير الغريزة في النفس.

فيا -أيتها البنت الصالحة-: أشغلي نفسك بالنافع المفيد، لاسيما وأنت تحفظين القرآن، وتحافظين على الأذكار، وكذلك أيضًا الطب يحتاج إلى جهد كبير، وتحسين اللغة الإنجليزية، فلا بد من الاهتمام بهذه الأمور حتى تحصلي على مطلوبك، وهو أن تكوني طبيبةً في المستقبل -إن شاء الله تعالى-.

‏ثالثًا: أحسنت في معرفة السبب بعدم خشوعك في الصلاة وهو العادة السرية، وكونك تفزعين إلى الصلاة عندما يأتيك هذا التفكير؛ فيه دليل على وجود خير كثير فيك، وهذا هو الحل الأمثل، وحينما وقعت في هذه العادة، ثم صليت لله تعالى ركعتين فهذه هي التوبة إلى الله، وهذا هو المطلوب؛ فقد ورد في معنى الحديث: أن من وقع في معصية، ثم صلى ركعتين، إلا غفر الله له ذلك الذنب، وهكذا كلما أحدث الإنسان ذنبًا فليحدث معه توبةً.

رابعًا: ما ذكرت عن نفسك بأنك تشعرين بكراهة نفسك حينما تقعين في هذه العادة، ثم تفكرين أن حفظك للقرآن، والتزامك مع وقوعك في هذه العادة أنه نفاق؛ فهذا شيء طبيعي؛ فالإنسان لا يحدث الناس بذنوبه؛ لأن الاستتار واجب، والمجاهرة حرام، فلا عليك من هذا التفكير، وإنما على الإنسان أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) صحيح الجامع.

‏فامضي لدراستك في علم الطب؛ بحيث تكونين طبيبةً في المستقبل ينتفع بك الناس، فهذه مهمة شريفة، وفيها نفع عظيم للناس.

‏خامسًا: بالنسبة للغيبة:
فمن شروط التوبة النصوح: الإقلاع عن المعصية، وأن يندم المرء عليها، والعزم على عدم العودة إليها: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحًا) التحريم.

وبالنسبة لطلب العفو ممن قد طلبت منهن: فهذا شيء طيب، وأما إن كنت تخافين إخبار من اغتبتها لئلا تزداد العداوة، فاكتفي بذكر محاسنها، مع الاستغفار لها.

سادسًا: نصيحتي لك وأنت صاحبة القرآن والالتزام: الابتعاد عن السخرية بالآخرين؛ فإن الله تعالى قد نهانا عن السخرية بالآخرين، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن) الحجرات:11.

ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن السخرية فقال: ( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) رواه مسلم، وهكذا تقليد الآخرين، ومحاكات أفعالهم بنية السخرية، كل ذلك يعتبر محرمًا؛ فعليك بالإقبال على نفسك، ولا تنشغلي بالآخرين حتى ولو فعلوا هذه الأخطاء؛ فالله تعالى لن يحاسبك على الآخرين، وإنما سيحاسبك على أعمالك: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره) الزلزلة.

ختاماً: أسأل الله تعالى أن يصلح أحوالك، ويثبتك على حفظ القرآن والالتزام، وأن يسعدك ويعطيك ما تؤملين، اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً