الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثرة التفكير في مرض القلب وتوهم أعراضه: هل سببه نفسي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وجزاكم الله خيرًا، وأرجو من الله ثم منكم أن تساعدوني.

كنت أعاني من نوبات هلع قبل عشرين عامًا، ثم تعافيت منها، وبعدها دخلت في مرحلة من التوهم المرضي والقلق؛ حيث ينتقل قلقي من عضو إلى آخر، رغم أن جميع الفحوصات التي أجريتها كانت سليمة.

أنا الآن أعاني من توهم مرض القلب منذ أكثر من أربع سنوات، رغم أنني أمارس الرياضة يوميًا لمدة لا تقل عن 70 دقيقة.

أعراضي كالتالي:
- أشعر بشدٍ في أعلى الظهر والصدر عند بداية ممارسة الرياضة.
- يزداد هذا الشعور مع بدء التمرين، ويتركّز تفكيري على القلب، مع ضيق تنفس خفيف.
- بعد مرور 40 إلى 50 دقيقة من التمرين، تبدأ الأعراض بالخفّة تدريجيًا، وأكمل الرياضة أحيانًا حتى أصل إلى 100 دقيقة.
- أصبحت أمارس الرياضة ليس للاستمتاع، بل لاختبار صحة القلب.
- ألاحظ أنه كلما زاد المجهود، خفّت الأعراض.
- أحيانًا أقول بعد التمرين: "هذا أفضل يوم"، وأحيانًا: "هذا أسوأ يوم".
- مشكلتي الأساسية هي عدم الارتياح في منطقة الظهر والصدر أثناء الرياضة، رغم أن هذا الشعور يكون موجودًا أيضًا في وقت الراحة ولكن بشكل أخف.
- تفكيري منصب على القلب في كل دقيقة، وكل ساعة، بل كل ثانية.

الفحوصات التي أجريتها:

- تخطيط قلب، تخطيط مجهود، وإيكو أكثر من ست مرات، وكلها ممتازة.
- آخر فحص للقلب كان قبل شهر، وأظهرت النتائج عدم وجود سكري أو ضغط أو كوليسترول، والغدة سليمة، وصورة الدم طبيعية.
- أصعد سلّمًا مكوّنًا من عشر درجات، وأمارس الهرولة لمدة ساعة لاختبار القلب، ولا أشعر سوى بشد في الظهر والصدر ونهجان خفيف، لكنني أفسّر هذا الإحساس دائمًا على أنه مرض في القلب.

لقد أتعبني التفكير وأرهقني، وأرجو منكم مساعدتي.

هل ما أعانيه نفسي؟ وهل هذه الأعراض أثناء الرياضة نفسية أيضًا؟ وبماذا تنصحونني؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.

أخي: التوهمات المرضية الوسواسية موجودة لدى الكثير من الناس، والخوف من أمراض القلب يأتي على رأس هذه المخاوف، والتي لا أحب أن أسميها توهمات، إنما هي مخاوف، وطبعًا الخوف من أمراض القلب أو من السكتة القلبية له ما يبرره، وهو أن القلب هو مركز الحياة، وكثيرًا ما يسمع الناس أن شخصًا ما قد توفي أثناء النوم، أو قد توفي بسكتة قلبية، أو شيء من هذا القبيل؛ لذا ينشأ هذا النوع من المخاوف.

وفي حالتك، طبعًا الإصابة بنوبات الهرع في فترة سابقة، هذا أيضًا قد يكون أحد الأسباب التي جعلتك تتخوف من أمراض القلب، وهذا -يا أخي- يسمى بالمراء المرضي.

العلاج في الحقيقة العلاج -أخي الكريم-؛ والعلاج يكون من خلال أن تعيش حياة صحية، وأنت -والحمد لله- بالفعل تعيش حياة صحية، ما دمت تمارس الرياضة بهذه الصورة المنتظمة، ولوقت جيد جدًّا، وتحسّ بالإحساسات التي ذكرتها، حتى وإن كانت سلبية، لكنها تدل على أنك -إن شاء الله- في صحة ممتازة.

أخي الكريم: واصل في منهجك الرياضي، ولكن لا تجعله بهدف اختبار وظائف قلبك، قلبك سليم، إنما الرياضة هي جزء من نمط الحياة الصحي، والرياضة تقوي النفوس كما تقوي الأجسام، فيجب أن تفكر فيها من هذه الناحية.

الشيء الآخر، وهو مهم جدًّا: أن تلتزم بإجراء فحوصات دورية، وليس فحوصات متكررة وعلى نمط وسواسي، الفحوصات الدورية هي مثلًا: أن تذهب لطبيب الأسرة كل ثلاثة أو أربعة أشهر، من أجل إجراء فحص عام، وهذا منهج سليم جدًّا، وبعد ذلك لا تذهب إلى الطبيب أبدًا، قاوم نفسك، وقاوم الشعور بالاستحواذ الشديد لأن تذهب وتقابل الطبيب.

لو نظر الإنسان إلى جسده ومكوناته، سوف يرى العجب، فمثلًا: بطن الإنسان من الداخل -أذكر ونحن طلاب في كلية الطب حين كنا نذهب إلى التدريب ونحضر العمليات مع أساتذتنا- مثلًا: إذا كانت هناك عملية فتح بطن، نرى أشياء مذهلة؛ كحركة المصران (الأمعاء)، حركة المثانة، حركة المعدة، سبحان الله، سبحان الله الخالق العظيم، فجسم الإنسان أصلًا فيه حركة وتناسقية وتدبير عظيم جدًّا، وهو ليس تحت إرادتنا في جله.

أرجو أن تتفهم هذه المعلومة، أن التفكير الشديد في وظائف الجسد ليس في مصلحة الإنسان، بل قد تكون مقلقة في بعض الأحيان، توكل على الله، واحرص على أذكارك، خاصة أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وأشغل نفسك فيما هو مفيد، وتخلص من الفراغ الزمني، وكذلك الفراغ الذهني، وكن كثير الاطلاع، وتواصل اجتماعيًا، واحرص على العبادات في وقتها، وصل رحمك، وتطور مهنيًا، هذا كله سيفيدك كثيرًا.

أخي: سيكون من الجيد أيضًا أن تتناول أدوية مضادة لهذا النوع من المخاوف، وطبعًا من أفضلها عقار (سيرترالين)، هو دواء رائع جدًّا، وله عدة مسميات تجارية منها (زولفت).

الجرعة هي أن تبدأ بجرعة (25 ملغ) ليلًا -أي نصف حبة- لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة واحدة يوميًا لمدة شهر، ثم اجعلها حبتين يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم اجعلها نصف حبة يوميًا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين.

وبجانب السيرترالين، هناك دواء يسمى (سولبيريد)، واسمه التجاري (دوجماتيل)، أريدك أن تتناوله أيضًا بجرعة (50 ملغ) صباحًا ومساء لمدة شهر، ثم (50 ملغ) صباحًا لمدة شهر آخر، ثم تتوقف عنه.

كلا الدواءين من الأدوية السليمة جدًّا والفاعلة، وغير الإدمانية، أسأل الله تعالى أن ينفعك بهما.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً