بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت على الشيخ الصالح بقية المشايخ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حامد بن مفرح بن غياث الأرياحي ، عن أبي الحسن علي بن الحسين بن عمر الفرا الموصلي قال : أنبأنا أبو الحسن عبد الباقي بن أبي الفتح فارس بن أحمد بن موسى المقرئ الحمصي بخطه بمصر قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عبيد بن موسى الرشا قراءة عليه وأنا أسمع سنة اثنين وتسعين وثلاث مائة . قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي الموت قال : أخبرنا علي بن عبد العزيز البغدادي بمكة سنة أربع وثمانين ومائتين قال : حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال:
[ ص: 4 ] باب : فضل علم ناسخ القرآن ومنسوخه وتأويل النسخ في التنزيل والآثار"
1 - قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مر بقاص يقص ، فقال : " هل علمت الناسخ والمنسوخ ؟ قال : لا ، قال : " هلكت وأهلكت .
[ ص: 5 ]
2 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا محمد بن ربيعة الرؤاسي ، عن سلمة بن نبيط الأشجعي ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس ، أنه رأى قاصا يقص ، فقال مثل مقالة علي سواء
3 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح الجهني ، عن معاوية بن صالح الحضرمي ، عن
[ ص: 6 ] علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل : ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا قال أبو عبيد : " المعرفة بالقرآن ناسخه ، ومنسوخه ومحكمه ، ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله قال : فأما قوله عز وجل : وما يعلم تأويله إلا الله فإنه يعني : تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلا الله
4 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله عز وجل : هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات قال : " المحكمات ناسخه ، وحلاله ، وحرامه ، وفرائضه ، وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات : منسوخه ومقدمه ، ومؤخره ، وأمثاله ، وأقسامه وما يؤمن به ، ولا يعمل به " وقال ابن عباس في قوله عز وجل : ما ننسخ من آية قال : " ما نبدل من آية أو ننسها قال : نتركها لا نبدلها " قال : وقول الله عز وجل : يمحو الله ما يشاء ويثبت يقول :
[ ص: 7 ] يبدل من القرآن ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، وعنده أم الكتاب يقول : وجملة ذلك : عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ
5 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله عز وجل : ما ننسخ من آية أو ننسها قال : " نثبت خطها ، ونبدل حكمها
6 - قال : وقال عطاء : قوله عز وجل : ما ننسخ من آية يقول :
[ ص: 8 ] ما نزل من القرآن . قال : وقوله أو ننسأها قال : نؤخرها فلا تكون . قال أبو عبيد : هكذا قراءة عطاء
7 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم ، ومروان بن معاوية الفزاري ، كلاهما عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء في قوله : ما ننسخ من آية أو ننسها قال : " نؤخرها .
8 - أخبرنا علي قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا يزيد ، عن جرير ابن حازم ، [ ص: 9 ] عن حميد الأعرج ، عن مجاهد مثل قول عطاء : " ننسأها نؤخرها "
9 - أخبرنا علي قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، وعطاء ، أنهما قرآها : " ما ننسخ من آية أو ننسأها
10 - أخبرنا علي قال: حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن علي الأزدي ، عن عبيد بن عمير الليثي ، أنه قرأها كذلك : أو ننسأها .
[ ص: 10 ] قال أبو عبيد : " فمن قرأ هذه القراءة التي قرأ بها عبيد بن عمير ، ومجاهد ، وعطاء ، وكثير عن القراء ، منهم أبو عمرو بن العلاء وغيره من أهل البصرة ، فإنهم يريدون بالنسخ ما نسخه الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم من اللوح المحفوظ ، فأنزله عليه ، فيصير المنسوخ على هذا التأويل وبهذه القراءة جميع القرآن يقولون : لأنه نسخ للنبي صلى الله عليه وسلم من أم الكتاب ، فأنزله عليه ، ويكون النسء : ما أخره الله عز وجل وتركه في أم الكتاب فلم ينزله ، وكذلك النسء في التأويل إنما هو التأخير ، ومنه قوله عز وجل : إنما النسيء زيادة في الكفر هو في التفسير : تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر " وكذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " من سره النسيء في الأجل والمد في الرزق فليصل رحمه .
11 - أخبرنا علي قال حدثنا أبو عبيد سمعت عباد بن عباد المهلبي ، يحدثه ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال أبو عبيد : فهذا الذي أراد عطاء بقوله : ما ننسخ من آية قال : ما نزل من القرآن ، وبقوله : أو ننسأها قال : نؤخرها
قال أبو عبيد : وهو مذهب من قرأ بهذه القراءة وتأول هذا التأويل
[ ص: 11 ] قال أبو عبيد : وأما الذي نذهب إليه ونختاره فغير ذلك ، وهو : أن يكون المنسوخ ما تعرفه الأمة من ناسخ القرآن ومنسوخه ، وتكون القراءة أو ننسها بمعنى النسيان ، وهي قراءة الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم : أبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عباس ، على أنه قد اختلف عن ابن عباس فيها ، وقرأ بها من التابعين : سعيد بن المسيب ، والضحاك بن مزاحم ، وأهل المدينة وأهل الكوفة
12 - أخبرنا علي قال حدثنا أبو عبيد حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، في قراءة أبي بن كعب : " ما ننسخ من آية أو ننسك
[ ص: 12 ]
13 - قال أبو عبيد : والذي يروى عن عبد الله : " ما ننسك من آية أو ننسخها يحدثون بذلك ، عن قرة بن خالد ، عن الضحاك ، عن ابن مسعود
14 - وقرأها الضحاك أو ننسها على ذلك التأويل
15 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال : أخبرنا يعلى بن عطاء ، عن القاسم بن ربيعة بن قانف الثقفي قال : سمعت سعد بن أبي وقاص ، يقرأ : " ما ننسخ من آية أو تنسها " . قال : فقلت له : إن سعيد بن المسيب يقرأ : " أو ننسها " أو ننسها " شك أبو عبيد فقال : إن القرآن لم ينزل على آل المسيب ، وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : سنقرئك فلا تنسى واذكر ربك إذا نسيت
[ ص: 13 ]
16 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن أبي جعفر القاري ، وشيبة بن نصاح ، ونافع بن أبي نعيم ، " أنهم قرءوها : أو ننسها .
قال أبو عبيد : وكذلك قرأ الكوفيون
قال أبو عبيد : والمعنى في قراءة هؤلاء ، إنما هو مأخوذ من النسيان . قال : وإن كان بعضهم أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم أخبر أن الله عز وجل فعل ذلك به ، وليس بين القولين اختلاف ؛ لأنه ليس يفعل النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما وفقه الله عز وجل له ، فإذا أنساه نسي ، إلا أن ابن عباس خاصة أراد بالنسيان الترك في الحديث الذي ذكرناه عنه في قوله عز وجل : أو ننسها قال : نتركها فلا نبدلها ، فكأنه جعله مثل قوله :
[ ص: 14 ] كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ، وكقوله عز وجل : نسوا الله فنسيهم هو في التفسير الترك ؛ لأن الله عز وجل لا يضل ولا ينسى ، فهذا فصل ما بين التأويلين والقراءتين في النسء والنسيان . وأما النسخ : فإن له ثلاثة مواضع في الكتاب والسنة ، ولكلها شواهد ودلائل ، فأحدها : نسخ القرآن مما يعمل به ، وهو علم الناسخ من المنسوخ ، والشاهد عليه ما فسره ابن عباس في حديثه الذي ذكرناه : أنه إبدال الآية مكان الآية ، ثم أوضحه مجاهد ، فقال : يثبت خطها ويبدل حكمها ، فهذا هو المعروف عند العالم أن الآية الناسخة والمنسوخة جميعا ثابتتان في التلاوة وفي خط المصحف ، إلا أن المنسوخة منهما غير معمول بها ، والناسخة هي التي أوجب الله عز وجل على الناس اتباعها والأخذ بها وأما النسخ الثاني : فأن ترفع الآية المنسوخة بعد نزولها ، فتكون خارجة من قلوب الرجال ، ومن ثبوت الخط والشاهد عليه أحاديث عدة
17 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن عقيل ، ويونس ، عن ابن شهاب قال : أخبرني [ ص: 15 ] أبو أمامة بن سهل بن حنيف في مجلس سعيد بن المسيب : أن رجلا كانت معه سورة ، فقام يقرؤها من الليل فلم يقدر عليها ، وقام آخر يقرؤها فلم يقدر عليها ، وقام آخر يقرؤها فلم يقدر عليها ، فأصبحوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : يا رسول الله ، قمت البارحة لأقرأ سورة كذا وكذا ، فلم أقدر عليها ، وقال الآخر : يا رسول الله ما جئت إلا لذلك ، وقال الآخر : وأنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها ، أو قال : نسخت البارحة . وزاد عقيل في حديثه قال : وابن المسيب جالس لا ينكر ذلك قال أبو عبيد : فقد تبين في هذا الحديث أن النسخ هو رفع السورة ، وكذلك حديثه الآخر
18 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو المنذر إسماعيل بن عمر الواسطي ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، [ ص: 16 ] عن ذر ، عن عبد الرحمن بن أبزى قال : " صلى رسول . . . . موضعه ، فهذا هو المستعمل في كلام العوام ، وله مع هذا شاهد من القرآن
19 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس
[ ص: 17 ] في قوله عز وجل : إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون قال : قال ابن عباس : " ألستم قوما عربا هل تكون النسخة إلا من أصل قد كان قبل ذلك
20 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير في قوله : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال : " الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن ، والذكر هو الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب . قال أبو عبيد : فهذان الحديثان لا معنى للنسخ فيهما إلا الاكتتاب من شيء في آخر سواه ، وإياه أراد عطاء بقوله : ما ننسخ من آية قال : هو ما نزل من القرآن


